فصل: السنة الأولى من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر

وهي سنة سبع وتسعين وخمسمائة‏.‏

فيها كان هبوط النيل ولم يعهد ذلك في الإسلام إلا مرة واحدة في دولة الفاطميين ولم يبق منه إلا شيء يسير واشتد الغلاء والوباء بمصر فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام وتفرقوا وتمزقوا كل ممزق‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمه على طبخه وشيه وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا‏.‏

وكان الرجل يدعو صديقه وأحب الناس إليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله وفعلوا بالأطباء كذلك فكانوا يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم وفقدت الميتات والجيف من كثرة ما أكلوها وكانوا يختطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم‏.‏

وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفًا وامتلأت طرقات المغرب والمشرق والحجاز والشام برمم الناس وصلى إمام جامع الإسكندرية في يوم على سبعمائة جنازة‏.‏

وقال العماد الكاتب الأصبهاني‏:‏ ‏"‏ في سنة سبع وتسعين وخمسمائة‏:‏ اشتد الغلاء وامتد البلاء وتحققت المجاعة وتفرقت الجماعة وهلك القوي فكيف الضعيف‏!‏ ونحف السمين فكيف العجيف‏!‏ وخرج الناس حذر الموت من الديار وتفرق فريق مصر في الأمصار ولقد رأيت الأرامل على الرمال والجمال باركة تحت الأحمال ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم تسترق الجياع باللقم ‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

قال‏:‏ وجاءت في شعبان زلزلة هائلة من الصعيد هدمت بنيان مصر فمات تحت الهدم خلق كثير ثم امتدت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس فلم تبق فيها جدارًا قائمًا إلا حارة السمرة ومات تحت الهدم ثلاثون ألفًا وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل وامتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري وعامة دور دمشق إلا القليل فهرب الناس إلى الميادين وسقط من الجامع ست عشرة شرفة وتشققت قبة النسر ‏"‏ انتهى كلام صاحب المرآة باختصار فإنه أمعن وذكر أشياء مهولة من هذا النموذج‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو الفرج بن أبي قحافة الشيخ الإمام الحافظ الواعظ المفسر العلامة جمال الدين أبو الفرج القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المعروف بابن الجوزي صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم‏:‏ كالتفسير والحديث والفقه والوعظ والزهد والتاريخ والطب وغير ذلك‏.‏

مولده ببغداد سنة عشر وخمسمائة تقريبًا بدرب حبيب‏.‏

وتوفي أبوه وله ثلاث سنين‏.‏

قلت‏:‏ وفضل الشيخ جمال الدين وحفظه وغزير علمه أشهر من أن يذكر هنا والمقصود أن وفاته كانت في ليلة الجمعة بين العشاءين في داره بقطفتا ودفن من الغد وكانت جنازته مشهودة وكثر أسف الناس عليه ولم يخلف بعده مثله‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعد وكتب بخطه كثيرًا والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا إنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل‏.‏

ويقال‏:‏ إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل منها شيء كثير وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك فكفت‏.‏

انتهى كلام ابن خلكان باختصار‏.‏

ومن شعره‏:‏ وسل عن الوادي وسكانه وانشد فؤادي في ربا المجمع حي كثيب الرمل رمل الحمى وقف وسلم لي على لعلع واسمع حديثًا قد روته الصبا تسنده عن بانة الأجرع وآبك فما في العين من فضله ونب فدتك النفس عن مدمعي وله‏:‏ رأيت خيال الظل أعظم عبرة لمن كان في أوج الحقيقة راق شخوص وأشكال تمر وتنقضي وتفنى جميعًا والمحرك باق وفيها توفي الأمير بهاء الدين قراقوش ابن عبد الله الأسمي الخادم الخصي المنسوب إليه حارة بهاء الذين بالقاهرة داخل باب الفتوح وهو الذي بنى قلعة الجبل بالقاهرة والسور على مصر والقاهرة والقنطرة التي عند الأهرام وغير ذلك وكان من أكابر الخدام من خدام القصر وقيل إن أصله من خدام العاضد وقيل إنه من خدام أسد الدين شيركوه وهو الأصح‏.‏

واتصل بخدمة السلطان صلاح الدين وكان صلاح الذين يثق به ويعول عليه في مهماته‏.‏

ولما افتتح عكا من الفرنج سلمها إليه ثم لما استولوا عليها أخذ أسيرًا ففداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار وقيل‏:‏ بستين ألف دينار‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ‏"‏ والناس ينسبون إليه أحكامًا عجيبة في ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين حتى إن الأسعد بن مماتي له فيه كتاب لطيف سماه‏:‏ ‏"‏ الفاشوش في أحكام قراقوش ‏"‏‏.‏

وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه والظاهر أنها موضوعة فإن صلاح الدين كان يعتمد في أحوال المملكة عليه ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه‏.‏

وكانت وفاته في مستهل رجب‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمود بن هبة الله أبو عبد الله الإمام العلامة عماد الدين الأصبهاني المنشئ المعروف بالعماد الكاتب وبابن أخي العزيز‏.‏

ولد بأصبهان سنة تسع عشرة وخمسمائة وبها نشأ‏.‏

وقدم بغداد مع أبيه وبها تفقه واشتغل بالأدب وبرع في الإنشاء وخدم الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة وكان أحد كتابه‏.‏

ثم قدم دمشق أيام نور الدين الشهيد واتصل به وخدمه‏.‏

وكان فاضلًا حافظًا لدواوين العرب وله عدة مصنفات منها‏:‏ ‏"‏ خريدة القصر في شعراء العصر ‏"‏ وغير ذلك وكان القاضي الفاضل يقول‏:‏ العماد الكاتب كالزناد الوقاد يعني أن النار في باطنه كامنة وظاهره فيه فترة‏.‏

وكانت وفاة العماد بدمشق في يوم الاثنين غرة شهر رمضان‏.‏

ودفن عند مقابر الصوفية عند المنيبع‏.‏

وقيل إن العماد اجتمع بالقاضي الفاضل يومًا في موكب السلطان فسارا جميعًا وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان ما سد الفضاء فتعجبا من ذلك فأنشد العماد في الحال‏:‏ والجو منه مظلم لكن أنار به السنابك يا دهر لي عبد الرح - - يم فلست أخشى مس نابك ومن شعره‏:‏ دار غير اللبيب إن كنت ذا لب ولاطفة حين يأتي بحذق فأخو السكير لا يخاطبه الصا - - حي إلى أن يفيق إلا برفق وفيها توفي محمد بن المبارك بن محمد الطهير أبو غالب المصري كان فاضلًا أديبًا‏.‏

ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ومن شعره - رحمه الله تعالى - قوله‏:‏ تقنع بالقليل وعش عزيزًا خفيف الظهر من كلفٍ وإثم وإلا هي نفسك للبلايا وهم واردٍ في إثر هم الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي القاضي أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهاني المعروف بابن اللبان العدل في ذي الحجة‏.‏

ومفيد بغداد تميم بن أحمد البندنيجي في جمادى الآخرة أدرك ابن الزاغوني‏.‏

والإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي وقد ناهز التسعين‏.‏

وأبو محمد عبد المنعم بن محمد المالكي فقيه الأندلس‏.‏

والأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي الخادم الأبيض‏.‏

ومحمد بن أبي زيد الكراني الخباز بأصبهان في شوال وقد كمل المائة‏.‏

والعماد الكاتب العلامة محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني في شهر رمضان وله سبع وسبعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان سواء‏.‏

مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة‏:‏ فيها برز العادل المذكور من ديار مصر طالبًا حلب وكان الملك الأفضل بحمص عند شيركوه فجاء إلى العادل فأكرمه العادل وعوضه عن ميافارقين سميساط وسروج ثم سار العادل ونزل على حماة وصالحه الملك الظاهر صاحب حلب وعاد الملك العادل إلى حمص‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الدولعي خطيب دمشق والدولعية‏:‏ قرية من قرى الموصل‏.‏

قدم دمشق واستوطنها وصار خطيبها ودرس بالزاوية الغربية من جامع دمشق وكان منزهًا حسن الأثر حميد الطريقة‏.‏

مات في شهر ربيع الأول‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن الحسن بن المظفر الهمذاني محدث ابن محدث ابن محدث‏.‏

إذا الفتى ذم عيشًا في شبيبتِهِ فما يقول إذا عَصْرُ الشباب مَضَى وقد تعوضت عن كل بمشبِهِهِ فما وجدت لأيّام الصَبا عِوضَا الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها تُوفّي الملك المُعِز إسماعيل ابن سيف الإسلام أطُغتِكِين صاحب اليمن‏.‏

وأبو طاهر بركات بن إبراهيم الخُشُوعِي‏.‏

والمحدث حَمّاد بن هبة الله الحَرَّانِي التاجر في ذي الحجة‏.‏

وعبد الله بن حمد بن أبي المجد الحَرْبِيَ الإسكاف في المحرم بالمَوْصِل‏.‏

وزَيْنُ القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القُرَشِيّ الزَكَوِي في ذي الحجة سمع من جده‏.‏

وأبو الحسن عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الشَعَرِي أخو زينب في المحرم‏.‏

وخطيب دمشق الضَياء عبد الملك بن زَيْد بن يس الدًوْلَعِيَ في شهر ربيع الأول وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

وقاضي القضاة محيي الدين أبو المعالي محمد ابن القاضي الزكِي علي بن محمد القُرَشي وله ثماني وأربعون سنة تُوفي في شعبان‏.‏

وأبو القاسم هبَة الله بن عليّ بن مسعود الأنصاري البُوصِيرِي في صفر وله اثنتان وتسعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع واحد وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

أبي بكر بن أيّوب على مصر وهي سنة تسع وتسعين وخمسمائة‏:‏ فيها في ليلة السبت سلخ المحرم ماجت النجوم في السماء شرقًا وغربًا وتطايرت كالجراد المنتشر يمينًا وشمالًا ولم يُرَ هذا إلا عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين وكانت هذه السنة أعظم‏.‏

وفيها تُوفي إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو إسحاق الموفق الفقيه بن الصقال الحنبلي‏.‏

وُلد سنة خمس وعشرين وخمسمائة‏.‏

وتفقّه على أبي يَعْلَى الفَراء وسمع الحديث الكثير وكان شيخًا ظريفًَا صالحًا زاهدًا‏.‏

مات في ذي الحجّة ودُفِن بباب حَرْب ببغداد‏.‏

وفيها تُوُفَيت زمرّد خاتون أمّ الخليفة الناصر لدين الله العباسِي ببغداد‏.‏

كانت صالحة كثيرة البِر والصدقات وحجت مرّة فأنْفَقَت ثلاثمائة ألف دينار وكان معها نحو ألفي جمل وتصدّقت على أهل الحرمين وأصلحت البِرَك والمصانع وعمرت التُّربة عند قبر معروف الكَرْخِي والمدرسة إلى جانبها‏.‏

وماتت في جُمادى الأولى‏.‏

وفيها تُوفي علي بن الحسن بن إسماعيل أبو الحسن العَبْدي من عبد القَيْس كان فاضلًا بارعًا في الأدب وغيره وله شعر جيّد من ذلك قوله - رحمه اللّه تعالى -‏:‏ قد أنزل الله تعالى‏:‏ ولا تُلْقُوا بأيديكم إلى التَهْلُكَه وفيها تُوفي القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم أبو الفضائل ضياء الدين الشَهْرُزورِيّ وهو ابن أخي القاضي كمال الدين محمد الشَهْرُزُوري‏.‏

كان فقيهًا فاضلًا جَوَادًا كريمًا أديبًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره أوّل قصيدة‏:‏ في كل يوم ترى للبين آثار وما له في التئام الشمل آثار يسطو علينا بتفريق فواعجبا هل كان للبين فيما بيننا ثار وفيها توفي يحيى بن طاهر بن محمد أبو زكرياء الواعظ ويعرف بابن النجار البغدادي‏.‏

كان فاضلًا فصيحًا‏.‏

وكان ينشد في مجلسه - رحمه الله تعالى -‏:‏ عاشر من الناس من تبقى مودته فأكثر الناس جمع غير مؤتلف منهم صديق بلا قاف ومعرفة بغير فاءٍ وإخوان بلا ألف الذين ذكر الذهبي وفاتهم في السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن حمزة بن موقا الأنصاري الإسكندراني التاجر في شهر ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة‏.‏

وزين الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا الدمشقي الحنبلي الواعظ بمصر في رمضان وله إحدى وتسعون سنة وأبو الحسن علي بن حمزة بن علي بن طلحة البغدادي الكاتب بمصر في شعبان‏.‏

وسلطان غزنة غياث الدين‏.‏

وقاضي القضاة ضياء الدين القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري الشافعي وله خمس وستون سنة ولي القضاء بدمشق بعد عمه ثم استعفى لأمر ما ثم بعد مدة ولي قضاء العراق ثم استعفى وخاف العواقب ثم سكن حماة وولي قضاءها وبها مات في رجب‏.‏

والزاهد أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشي الهاشمي الأندلسي ببيت المقدس‏.‏

والشهاب أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي الحنفي المقرئ بمصر‏.‏

وأبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله بن المعطوش في جمادى الأولى عن اثنتين وتسعين سنة ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وست وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ستمائة‏:‏ فيها وصل إلى بغداد أبو الفتح بن أبي نصر الغزنوي رسولًا من صاحب غزنة وجلس بباب بدر وقال‏:‏ هنيئًا لكم يا أهل بغداد أنتم تحظون بأمير المؤمنين ونحن محرومون‏!‏ وأنشد - رحمه الله -‏:‏ أفيضوا علينا من الماء فيضًا فنحن عطاش وأنتم ورود وفيها توفي الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور أبو محمد المقدسي‏.‏

ولد بجماعيل وهي قرية من أعمال نابلس في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وكان أكبر من الشيخ موفق الدين بأربعة أشهر وهما ابنا خالة‏.‏

وكان إمامًا حافظًا متقنًا مصنفًا ثقة سمع الكثير ورحل إلى البلاد وكتب الكثير وهو أحد أكابر أهل الحديث وأعيان حفاظهم ووقع له محن ذكرها صاحب مرآة الزمان ونجاه الله منها‏.‏

ومات في يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأول ودفن بالقرافة عند الشيخ أبي عمرو بن مرزوق وكان إمامًا عابدًا زاهدًا ورعًا‏.‏

قال تاج الدين الكندي‏:‏ هو أعلم من الدارقطني والحافظ أبي موسى‏.‏

قال أبو المظفر‏:‏ وفي هذه السنة سافرت من بغداد إلى الشام وهي أول رحلتي فاجتزت بدقوقًا وجلست بها يعني للموعظة ثم قدمت إربل واجتمعت بمحيي الدين الساعاتي وأنشدني مقطعات لغيره‏.‏

منها - رحمه الله -‏:‏ رحمت أسود هذا الخال حين بدا في جمرة الخد مرميًا بأبصار كأنه بعض عباد المجوس وقد ألقى بمهجته في لجة النار الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي منتخب الدين أبو الفتح أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف العجلي الأصبهاني شيخ الشافعية ببلده في صفر وله خمس وثمانون سنة‏.‏

وأبو سعد عبد الله بن عمر بن أحمد النيسابوري الصفار في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة‏.‏

والحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي الجماعيلي المقدسي في شهر ربيع الأول وله تسع وخمسون سنة وفاطمة بنت سعد الخير الأنصارية في شهر ربيع الأول ولها ثمان وسبعون سنة‏.‏

وبهاء الدين أبو محمد القاسم ابن الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر في صفر وله ثلاث وسبعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة إحدى وستمائة‏:‏ فيها جاءت الفرنج حماة بغتة وأخذوا النساء الغسالات من باب البلد على العاصي وخرج إليهم الملك المنصور بن تقي الدين وقاتلهم وثبت وأبلى بلاء حسنًا وكسر الفرنج عسكره فوقف على الساقة ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدًا‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق وجه السبع ومن الشام صارم الدين برغش العادلي وزين الدين قراجا صاحب صرخد‏.‏

وفيها توفي عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقلي أبو محمد نجم الدين الحراني قدم بغداد وتفقه بها وسمع الحديث ثم عاد إلى حران ووعظ بها وحصل له القبول التام ثم عاد إلى بغداد واستوطنها‏.‏

قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي في تاريخه‏:‏ سمعته ينشد‏:‏ وأشتاقكم يا أهل ودي وبيننا كما زعم البين المشت فراسخ فأما الكرى عن ناظري فمشرد وأما هواكم في فؤادي فراسخ وفيها توفي محمد بن سعد الله بن نصر أبو نصر بن الدجاجي الواعظ الحنبلي‏.‏

ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة ومات في شهر ربيع الأول ودفن بباب حرب‏.‏

ومن شعره - رحمه الله -‏:‏ نفس الفتى إن أصلحت أحوالها كان إلى نيل التقى أحوى لها وإن تراها سددت أقوالها كان على حمل العلا أقوى لها وفيها توفي ملك خلاط سيف الدين بكتمر‏.‏

كان من أحسن الشباب ولم يبلغ عشرين سنة من الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي المحدث أحمد بن سليمان الحربي الملقب بالسكر‏.‏

وأبو الفضل محمد بن الحسين بن الخصيب بدمشق‏.‏

ويوسف بن المبارك بن كامل الخفاف‏.‏

وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي البقلي‏.‏

وشميم الحلي أبو الحسن علي بن الحسن بن عنتر الأديب‏.‏

ومحمد بن أحمد بن حامد - أبو عبد الله الارتاحي الحنبلي بمصر وله بضع وتسعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏

السنة السادسة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة اثنتين وستمائة‏:‏ فيها توجه ناصر الدين صاحب ماردين إلى خلاط بمكاتبة أهلها وملكها فجاء الملك الأشرف موسى شاه أرمن ابن الملك العادل هذا فنزل على دنيسر وأقطع بلاد ماردين فلما بلغ ذلك ناصر الدين عاد إلى ماردين بعد أن غرم مائة ألف دينار ولم تسلم له خلاط‏.‏

وليها أغار ابن لاون على حلب وأخذ الجشار من نواحي حارم فبعث إليه الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب - وهو يوم ذاك صاحب حلب - فارس الدين ميمونا القصري وأيبك فطيس والأمير حسام الدين بن أمير تركمان فتقاتلا قتالًا شديدًا وكان ميمون تقدم ولولاهما لأخذ ميمون فلما بلغ ذلك الملك الظاهر خرج من حلب ونزل مرج دابق ثم جاء إلى حارم فهرب ابن لاون إلى بلاده‏.‏

وكان ابن لاون قد بنى قلعة فوق دربساك فأخذها الظاهر وأخربها ثم عاد الملك الظاهر إلى حلب‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق وجه السبع ومن الشام الشجاع علي بن السلار‏.‏

وفيها توفي الأمير طاشتكين بن عبد الله المقتفوي مجير الدين أمير الحاج حج بالناس ستًا وعشرين حجة وكان يسير في طريق الحج مثل الملوك‏.‏

شكاه ابن يونس االوزير إلى الخليفة أنه يكاتب السلطان صلاح الدين صاحب مصر وزور عليه كتابة فحبسه الخليفة مدة ثم تبين له أنه بريء فأطلقه وأعطاه خوزستان ثم أعاده إلى إمرة الحاج وكانت الحلة إقطاعه‏.‏

وكان شجاعًا جوادًا سمحًا قليل الكلام يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم‏.‏

استغاث إليه رجل يومًا فلم يكلمه فقال الرجل‏:‏ الله كلم موسى فقال‏:‏ وأنت موسى‏!‏ فقال الرجل‏:‏ وأنت الله‏!‏ فقضى حاجته‏.‏

وكان حليمًا‏.‏

التقاه رجل فاستغاث إليه من نوابه فلم يجبه فقال الرجل‏:‏ أنت حمار وأمير على البلاد مولى لا يجيب الشاكي بغير السكوت كلما زاد رفعة حطنا الل - - ه بتغفيله إلى البهموت إملائي وفيها توفي مسعود بن سعد الدين صاحب صفد‏.‏

وأخوه بدر الدين ممدود شحنة دمشق وهما ابنا الحاجب مبارك بن عبد الله وأمهما أم فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ففرخشاه أخوهما لأمهما وأختهما لأمهما أيضًا الست عذراء صاحبة المدرسة العذراوية المجاورة لقلعة دمشق‏.‏

وكانا أميرين كبيرين أعني ممدودًا ومسعودًا صاحبي الترجمة ولهما مواقف مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وتقدمت وفاة ممدود على أخيه مسعود فإنه مات بصفد في يوم الأحد خامس شهر رمضان من هذه السنة‏.‏

وتوفي مسعود هذا بصفد في يوم الاثنين خامس شوال - رحمهما الله تعالى -‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي سلطان غزنة شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام الغوري قتلته الباطنية‏.‏

وأبو علي ضياء الدين بن أبي القاسم أحمد بن الحسن بن علي بن الخريف‏.‏

والمفتي أبو المفاخر خلف بن أحمد الأصبهاني الفراء وله أربع وثمانون سنة‏.‏

وأبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن القبيطي قرأ القرآن على سبط الخياط وجماعة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة السابعة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثلاث وستمائة‏:‏ فيها فارق وجه السبع الحاج وقصد الشام مغضبًا وكان في الحج جماعة من الأعيان فبكوا وسألوه العود معهم على العادة فقال‏:‏ مولاي أمير المؤمنين محسن إلي وما أشكو إلا من الوزير ابن مهدي وما عن التوجه بد ففارقهم وسار إلى الشام فتلقاه الملك العادل صاحب الترجمة وأولاده وأحسن العادل إليه وأكرم نزله‏.‏

وحزن الخليفة على فراقه‏.‏

وفيها ولى الخليفة عماد الدين أبا القاسم عبد الله بن الدامغاني الحنفي قاضي قضاة بغداد‏.‏

وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلي واستأصله حتى احتاج إلى الطلب من الناس‏.‏

وفيها نزلت الفرنج على حمص وكان الملك الظاهر غازي صاحب حلب قد بعث المبارز يوسف بن خطلخ الحلبي إليها نجدة لأسد الدين صاحبها وحصل القتال بينهم وبين الفرنج وأسر الصمصام بن العلائي وخادم صاحب حمص‏.‏

ورجع الفرنج إلى بلادهم‏.‏

وفيها توفي عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي المعروف بالكيلاني - رضي الله عنه - وكان عبد الرزاق هذا زاهدًا ورعًا عابدًا مقتنعًا من الدنيا باليسير صالحًا ثقة لم يدخل في الدنيا كما دخل فيها غيره من إخوته‏.‏

وكان مولده سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ومات في شوال ببغداد ودفن بباب حرب‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم أحمد ابن المقرئ صاحب ديوان الخليفة ببغداد كان شابًا حسنًا يعاشر ابن الأمير أصبه وكان ابن أصبه شابًا جميلًا جلسا يومًا فداعب ابن المقرئ ابن أصبه فرماه بسكين صغيرة فوقعت في فؤاده فقتلته فسلم الخليفة ابن المقرئ إلى أولاد أصبه فلما خرجوا به ليقتلوه أنشد‏:‏ قدمت على الإله بغير زادٍ من الأعمال بالقلب السليم وسوء الظن أن تعتد زادًا إذا كان القدوم على كريم فقتلوه - رحمه الله تعالى -‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني وله أربع وتسعون سنة‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد بن رجاء بن الفاخر القرشي‏.‏

وأبو بكر عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الجيلي الحافظ في شوال وله خمس وسبعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة أربع وستمائة‏.‏

فيها ملك الأوحد ابن الملك العادل صاحب الترجمة خلاط بمكاتبة أهلها بعد قتل ابن بكتمر والهزار ديناري المقدم ذكرهما وكانت بنت بكتمر مع صاحب أرزن الروم - فقالت بعد قتل أخيها -‏:‏ لا أرضى حتى تقتل قاتل أخي وهو الهزار ديناري وتأخذ بثأره فسار صاحب أرزن إلى خلاط وخرج الهزار ديناري للقائه فضربه صاحب أرزن فأبان رأسه وعاد إلى أرزن الروم‏.‏

وبقيت خلاط بغير ملك وكان الأوحد ابن العادل صاحب ميافارقين فكاتبوه وفيها حج بالناس من العراق ياقوت‏.‏

وفيها توفي محمود بن هبة الله بن أبي القاسم الحلبي أبو الثناء البزاز‏.‏

كان فاضلًا قرأ القرآن وسمع الحديث على إسماعيل بن موهوب بن الجواليقي وحكى عنه قال‏:‏ كنت في حلقة والدي بجامع القصر فوقف عليه شاب وقال‏:‏ ما معنى قول القائل‏:‏ وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها وهجره النار يصليني به النارا فالشمس بالقوس أضحت وهي نازلة إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا فقال له والحي‏:‏ يا بني هذا شيء يتعلق بعلم النجوم لا بعلم الأدب‏.‏

ثم قام والحي وآلى نفسه إلا يعود إلى مكانه حتى ينظر في علم النجوم ويعرف مسير الشمس والقمر فنظر فيه وعلمه‏.‏

ومعنى الشعر‏:‏ أن الشمس إذا نزلت القوس يكون الليل في غاية الطول وإذا كانت في الجوزاء كان في غاية القصر‏.‏

قلت‏:‏ ومحصول البيتين‏:‏ أنه إذا لم يزره محبوبه كان الليل عليه أطول الليالي وإذا زاره كان عليه أقصر الليالي فقصد القوس للطول والجوزاء للقصر‏.‏

وهذا يشبه قول القائل وقد تقدم ذلك في غير هذا المحل من هذا الكتاب‏:‏ ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما بالطول يا طوبى لو اعتدلا ومثل هذا قول شرف الدين أحمد بن نصر بن كامل - وقيل هما لغيره -‏:‏ عهدي بهم ورداء الوصل يجمعنا والليل أطوله كاللمح بالبصر فاليوم ليلي مذ غابوا فديتهم ليل الضرير فصبحي غير منتظر ويعجبني قول من قال - وهو قريب من هذا المعنى إن لم يكن هو بعينه -‏:‏ هجم السهاد على عيوني في الدجى سرق الرقاد ودمع عيني سافح وغدا يسامح للدجى في بيعه واللص كيف يبيع فهو الرابح وقد استوعبنا هذا النوع أعني ما قيل في طول الليل وقصره في كتابنا المسمى‏:‏ ب ‏"‏ حلية الصفات في الأسماء والصناعات ‏"‏ فلينظر هناك في حرف الطاء المهملة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي حنبل بن عبد الله ابن الفرج بن سعادة أبو علي الرصافي المكبر الدلال في المحرم‏.‏

وعبد المجيب بن عبد الله بن زهير الحربي بحماة‏.‏

وأبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان المقرئ‏.‏

وست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن محمد بن الطراح بدمشق‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة خمس وستمائة‏.‏

فيها زلزلت نيسابور زلزلة عظيمة دامت عشرة أيام فمات تحت الردم خلق كثير‏.‏

وفيها اتفق الفرنج من طرابلس وحصن الأكراد على الإغارة على أعمال حمص فتوجهوا إليها وحاصروها فعجز صاحب حمص أسد الدين شيركوه عنهم ونجده ابن عمه الملك الظاهر غازي صاحب حلب فعاد الفرنج إلى طرابلس‏.‏

وبلغ السلطان الملك العادل صاحب الترجمة فخرج إليهم من مصر بالجيوش وقصد وعكا فصالحه صاحبها فسار حتى نزل على بحيرة حمص وأغار على بلاد طرابلس وأخذ من أعمالها حصنًا صغيرًا‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي قاضي القضاة صدر الدين أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس بمصر عن تسع وثمانين سنة‏.‏

والقاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار بواسط في شعبان وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

وأبو الجود غياث بن فارس اللخمي مقرئ ديار مصر‏.‏

وأبو بكر محمد بن المبارك ابن مشق محدث بغداد وله اثنتان وسبعون سنة‏.‏

والحسين بن أبي نصر بن الحسين بن هبة الله بن أبى حنيفة بن القارص الحريمي الضرير آخر من روى شيئًا عن المسند توفي في شعبان‏.‏

وخطيب القدس علي بن محمد بن أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏